أدرك المشرع المصري – منذ وقت غير قصير – خطورة عملية سن قواعد تشريعية وما يقتضيه ذلك من أن يتولى أهل الاختصاص صياغتها ومراجعتها ، فكان أن عهد بذلك – بالنسبة لمشروعات القوانين التي تقترحها الحكومة واللوائح والقرارات ذات الصفة التشريعية – إلى قسم التشريع بمجلس الدولة , وقد إنعقد هذا الاختصاص لمجلس الدولة منذ إنشائه بالقانون رقم ١١٢ لسنة ١٩٤٦ ، كما نصت عليه قوانين مجلس الدولة المتعاقبة وآخرها القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ , وقد أرسى قسم التشريع – ومن بعده الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع – العديد من المبادئ والتي كشفت عن القصد من تلك المراجعة وحدود الاختصاص بها ومضمونها وفحواها.

ويعد قسم التشريع أحد الأقسام التي يتكون منها مجلس الدولة، فقد نصت المادة (۲) من قانون إنشاء مجلس الدولة المشار إليه على أن ” يشمل مجلس الدولة محكمة القضاء الإداري ، قسم التشريع ، قسم الرأي ، الجمعية العمومية”، ونصت قوانين مجلس الدولة المتعاقبة على ذلك، وكان آخرها القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢ والذي نص في المادة (۲) منه على أن يتكون مجلس الدولة من:

(1) القسم القضائي.

(2) قسم الفتوى.   

(3) قسم التشريع.

تشكيل قسم التشريع

يشكل قسم التشريع من أحد نواب رئيس مجلس الدولة، ومن عدد كاف من المستشارين والمستشارين المساعدين ويلحق به نواب ومندوبون.

وعند انعقاد القسم يتولى رئاسته نائب رئيس المجلس، وفي حالة غيابه أقدم مستشاري القسم، وعليه أن يدعو رئيس إدارة الفتوى المختصة عند نظر التشريعات الخاصة بإدارته للاشتراك في المداولات ويكون له صوت معدود فيها وتصدر القرارات بأغلبية أصوات الحاضرين.

ويكون للقسم مكتب فني يشكل برئاسة مستشار على الأقل وعدد كاف من الأعضاء من درجة نائب على الأقل، ويصدر بتشكيل المكتب قرار من رئيس المجلس بعد أخذ رأي رئيس القسم.

اختصاصات قسم التشريع

يختص قسم التشريع بمجلس الدولة بمراجعة صياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية واللوائح، وهذه المراجعة للصياغة التشريعية إنما تتضمن دراسة قانونية فنية تتعلق بمدى عدم تعارض أحكام المشروع المقترح مع أحكام القوانين الأعلى، وعلى رأسها أحكام الدستور، وما يقرره من مبادئ، وما يوجبه من توجيهات أساسية، كما تتعلق بمدى الاتساق والتجانس بين أحكام المشروع المقترح وبين التشريعات القائمة ورفع احتمالات التضارب فيما بينها ، كما تتعلق بمدى ملاءمة أحكام المشروع للأهداف الكلية المرجوة من سن التشريع ومدى صلاحيتها لتحقيق المصالح العامة المطلوب تقريرها دون أن يعد ذلك خروجا من قسم التشريع عن حدود اختصاصه أو مشاركته في تقدير ملاءمة المشرع، أو التعقيب عليه من الناحية الموضوعية البحتة، وذلك كله فضلا عن ضبط المصطلحات وتدقيق العبارات وملاحظة الجوانب اللغوية، وتصنيف الأحكام وترتيبها في اتساق ووضوح بما يكفل للتشريع الدقة وحسن الصياغة وكمال التنسيق.

كما يختص قسم التشريع بإعداد التشريعات، وتكون الاستعانة بالقسم في إعداد التشريعات جوازية لجهات الإدارة المعنية فلها أن تستعين بالقسم في إعداد مشروعات القوانين واللوائح الخاصة بها أولا تستعين به. على أنه يتعين – حال ما إذا رغبت الجهة الإدارية الاستعانة بالقسم في ذلك – أن يكون طلبها صريحا وقاطعا.

وقسم التشريع عند إعداده أو مراجعته للتشريعات المختلفة، لا يقف عند المراجعة اللفظية لها كما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما يقوم بدور إيجابي فعال في العملية التشريعية، دور له أسسه وقواعده وأصوله ذلك أن المراجعة التشريعية تعتبر أداة أصيلة في الرقابة المسبقة لمجالات المشروعية، تمتد إلى تحديد الأداة التشريعية اللازمة لإستصدار التشريع المطلوب، بل إن هذه المراجعة تقتضي من قسم التشريع تبصير الإدارة بكل ما يمكن أن يثيره التشريع المقترح من مشكلات في التطبيق وتنبيهها إلى ما قد يتطلبه من بحث أو مراجعة، وما قد يوجد بينه وبين التشريعات الأخرى من خلط أو تعارض، وهو بذلك يجنبها مزالق الخطأ، ويعاونها في حل ما يعترضها من صعوبات، ويعمل معها على إزالة كل لبس أو غموض في التشريع.

ولم يغب عن المشرع أمر الاستعجال وما تقتضيه الضرورة في بعض الأحيان من التعجل في إصدار التشريع فرسم لمواجهة ذلك طريقا آخر عهد فيه بمراجعة صياغة التشريعات التي يرى رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو رئيس مجلس الدولة نظرها على وجه الاستعجال إلى لجنة تشكل من رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة أو من يقوم مقامه وأحد مستشاري القسم يندبه رئيس القسم ورئيس إدارة الفتوى المختصة.